حاتم الطائي
◄ الصحفيون هاجس مُقلق وخصم عتيد لكل الطُغاة والقتلة
◄ الاحتلال الصهيوني يقر ويعترف باغتيال الصحفيين لوأد الحقيقة
◄ الإعلام الغربي يتواطأ مع الصهاينة في حرب الإبادة بغزة
يتعمَّد الاحتلال الإسرائيلي إسكات صوت الحقيقة من خلال استهداف الصحفيين واغتيالهم بدم بارد، من أجل التعتيم على جرائم الإبادة الجماعية في فلسطين عامةً، وقطاع غزة على وجه التحديد، فمنذ السابع من أكتوبر 2023، استُشهِد 238 صحفيًا في قطاع غزة وحده، منهم 11 صحفيًا ينتسبون إلى قناة الجزيرة القطرية، أهم وسيلة إعلامية في تغطية حرب الإبادة المُمنهجة في القطاع.
وعلى مرِّ التاريخ، ظلّ الصحفيون هاجسًا مُقلقًا وخصمًا عتيدًا لكل الطُغاة والقتلة، وطيلة ما يزيد عن 7 عقود، تعمَّد الاحتلال الإسرائيلي وأد الحقيقة واغتيال كل صاحب صوت أو كلمة حُرة، ينقلها عبر المذياع أو التلفاز أو الصحافة المكتوبة، حتى رسامي الكاريكاتير لم يسلموا من عمليات الاغتيال المُمنهجة. ومن المُفارقات أن نكتشف أنَّ عدد الصحفيين الذين لقوا حتفهم خلال الحرب العالمية الثانية، لم يتجاوز الـ70 صحفيًا، رغم أنَّ هذه الحرب أودت بحياة الملايين من البشر، بينما في حرب الإبادة الجماعية في غزة يصل العدد- كما ذكرنا- إلى 238 صحفيًا.
وما يُفاقم من شدة المأساة، أن يعترف جيش الاحتلال الإسرائيلي بتعمُّده قتل الصحفيين في غزة مع سبق الإصرار والترصُّد، تمامًا كما يفعل عندما يقصف المستشفيات ودور العبادة والمدارس والملاجئ التي تأوي عشرات الآلاف، فضلًا عن قصف خيم النازحين وهم نائمون.. إنها حرب إبادة مُتعمَّدة، ومذابح دموية وجرائم حرب، تستهدف في المقام الأول تهجير سكان غزة وطردهم من أرضهم، وتصفية القضية الفلسطينية، ودفن الدولة الفلسطينية تحت التراب، وهو هدف مُعلن وأكد عليه وزراء الحكومة المُتطرفة في تل أبيب.
ومن المؤسف أنَّ هذا التعمُّد وذلك الإصرار على إبادة أمة بأكملها، لم يُحرك المنظمات الدولية ولا الدول التي تصف نفسها بأنَّها "عظمى"؛ إذ لم يتحرك مجلس الأمن بموجب المادة السابعة لمنع جيش الإجرام والاحتلال من تنفيذ المذابح ليل نهار، ولم تتحرك الأمم المتحدة لاتخاذ قرار حقيقي بتجميد عضوية إسرائيل في المنظمة الأممية، أو فرض العقوبات الدولية عليها. في المُقابل، وفي ظل نظام عالمي آثم، انهالت العقوبات الغربية والدولية على روسيا لمجرد أنَّها دافعت عن حقها في الدفاع عن نفسها من التهديدات المُتزايدة من دول حلف شمال الأطلسي "ناتو"، والذين استفزوا الدب الروسي واقتربوا بصواريخهم ومُعداتهم القتالية إلى أقرب نقطة لم يكن مُمكنًا لروسيا البوتينية أن تقف مكتوفة الأيدي، لتنتظر جحافل "الناتو" تخترق أراضيها وتحتلها!
الحرب على الصحفيين واغتيال الحقيقة، لا يشنها جيش الإجرام الإسرائيلي وحده؛ بل تتكاتف معه مؤسسات إعلامية كبرى، من صحفٍ ومحطات تلفزة ومواقع إلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي وحتى برامج البودكاست الغربية، كلها تتعاون من أجل تزييف الوعي العالمي وتزوير الحقائق وقلبها. هل نتذكر ماذا كانت تقول وسائل الإعلام الغربية في بداية "طوفان الأقصى"؟ ألم ينشروا صورًا مُزيفة لحيوانات محروقة، زعمًا أنَّ المقاومة أحرقت إسرائيليين؟ ألم يتعمدوا تلفيق قصص إخبارية تُظهر عناصر المقاومة على أنَّهم قتلة وسفّاحين، بينما السفّاحون الحقيقيون- وعلى رأسهم مجرم الحرب نتنياهو- يمارسون أبشع الجرائم في غزة، ويقصفون السكان بآلاف الأطنان من المُتفجرات.
تزييف الوعي وطمس الحقائق كان- وما يزال- هدفًا رئيسيًا لكثير من وسائل الإعلام الغربية، حتى إنَّ بعضًا من هذه الوسائل ترفض استخدام كلمات مثل "مذبحة" أو "إبادة" أو "تهجير"؛ بل والأسوأ من ذلك أنهم يتبنون الرواية الصهيونية، ويطرحون وجهات النظر الإسرائيلية كما يُمليها عليهم الرقيب العسكري الإسرائيلي. ولا ريب أنَّ مثل هذا النهج يؤكد تواطؤ الإعلام الغربي في حرب الإبادة بغزة، فهو شريك في إخفاء الحقائق وتزوير الصورة، وتحريف المعلومة.
ولم يكن الإعلام التقليدي وحده هو المتواطئ والمنبطح للرواية الصهيونية؛ بل منصات التواصل الاجتماعي كذلك؛ إذ عمدت منصات مثل: فيسبوك وإنستجرام وواتساب وإكس وغيرها، إلى فرض قيود على المنشورات والصور ومقاطع الفيديو التي تكشف حقيقة الجرائم الإسرائيلية في غزة، وكثيرًا ما تعرضت صفحات لوسائل إعلام عربية، ومنها جريدة الرؤية، إلى الحظر الجزئي والحظر التام، بل وإغلاق الصفحة تمامًا إلى الأبد.
لقد دفع الإعلام الناقل للحقيقة بكل صدق وأمانة ومهنية، الثمن في ظل القيود الظالمة التي نفذتها إدارات منصات التواصل الاجتماعي، فكم مرة مُنعنا من نشر تغريدات بعد حظرها، وكم مرة تلقينا فيها إنذارات بحذف المنشورات بلغة لم تخلُ أبدًا من التهديد والوعيد، وقد نفذوا وعيدهم معنا في جريدة الرؤية أكثر من 3 مرات، فقدنا خلالها جمهورًا عريضًا من المُتابعين الباحثين عن صوت الحقيقة والحريصين على قراءة الإعلام الصادق المُعبِّر عن الآلام الشديدة التي يئن منها الشعب الفلسطيني.
لقد أمعن الاحتلال المُجرم في حرب الإبادة التي يشُنها على أهل غزة المُستضعفين؛ إذ لم يتردد هذا الجيش الباغي لحظة في قصف مدرسة أو مستشفى أو خيمة صحفيين، لأنَّه لا يريد سوى إبادة هذا الشعب، ومحو فلسطين نهائيًا.. لكن هيهات هيهات.
من المُحزن أن نصل لقناعة بأنَّ المنظمات الدولية المعنية بالصحافة والإعلام لن تتحرك، ولن تتخذ أي إجراء لحماية الصحفيين، والحيلولة دون اغتيال الاحتلال لهم، لكن المُؤكد أنَّ أصحاب الأقلام الحُرة وحملة مشعل الحقيقة، لن يتوقفوا عن أداء دورهم الرسالي، ولن تُخيفهم رصاصات الغدر والخيانة، ولنسأل أنفسنا، هل اختفى صوت الإعلام بعد اغتيال شيرين أبو عاقلة برصاص قناصة في وضح النهار وأمام كاميرات الإعلام الدولي، هل تراجع وائل الدحدوح بعد أن كاد يفقد حياته، بل وفقد حياة عائلته وأبنائه؟
لن ينجح هذا الاحتلال المُجرم في قصف أقلام الصحفيين، أو كسر كاميراتهم، أو تحطيم ميكروفوناتهم.. لن تفلح وحدات أجهزة الموساد و"أمان" و"الشاباك" في منع أصحاب الكلمة الحُرة من أن يصدحوا بها، ولن تتمكن الخلايا الإجرامية التي تنتشر عبر الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي من أن تطمس الحقائق ولا أن تُغطّي على جرائم الاحتلال الفاشي، ستفشل "خلية إضفاء الشرعية" التابعة للموساد كما فشلت خلايا وعملاء الوحدة 8200 التي تنتشر مثل النار في الهشيم على منصات مثل "إكس" وغيرها، لن ننخدع بأبواق تنطق وتكتب العربية بأسلوب ركيك للإيهام بأنَّ من العرب مؤيدين لإسرائيل، إنهم مُتصهينون، وبذرة فاسدة نبتت في بعض دولنا العربية، وهم قلة قليلة، لكن ضجيجهم صاخب.
ويبقى القول.. إنَّ المحاولات اليائسة لجيش الاحتلال الإسرائيلي لوأد الحقيقة وطمسها، لن تنجح، وأصوات الحق ستظل تصدح حتى قيام الساعة، ولن نقف نحن- معشر الصحفيين- مكتوفي الأيدي تجاه ما يجري في حق إخواننا في قطاع غزة، ولقد قطعنا عهدًا أمام الله وأمام ضمائرنا وأمام مُجتمعنا، أن نظل أوفياء لقول الحق، وسنُواصل عبر وسائلنا الإعلامية فضح حرب الإبادة الصهيونية في قطاع غزة، ولن نتوقف عن تبصير النَّاس بجرائم الاحتلال، إلى أن يزول نهائيًا بإذن الله تعالى.